CNN CNN

لماذا تكافح أوروبا من أجل الحفاظ على وحدتها؟

الجمعة، 09 كانون الأول/ديسمبر 2011، آخر تحديث 16:00 (GMT+0400)

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يكافح زعماء أوروبا للحفاظ على منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي الأوسع معاً في مواجهة الأزمة المالية التي تهدد بتقسيم الشراكات المقامة على مدى أكثر من نصف قرن.

لكن لماذا يبذل هؤلاء القادة الكثير من الجهد في الحفاظ على الوحدة؟ وهل يمكنهم أن يمنعوا الديون والاختلافات اليوم من تقسيم القارة لعقود قادمة؟

لماذا هذه الوحدة في غاية الأهمية لأوروبا؟

الجواب يكمن في تاريخ أوروبا، فهذه القارة طال أمد الصراعات فيها، وكانت تدور حول بلدان متجاورة يصارع بعضها البعض.

ولكن رغم ذلك، فإن لدول أوروبا أيضا الكثير من القواسم المشتركة، وفقا لما يرى البروفيسور جون لوغلين من قسم السياسة والدراسات الدولية في جامعة كامبريدج.

ويقول لوغلين "في القرن 19 كانت هناك فكرة أن أوروبا لديها وحدة وطنية طبيعية، فالكثير منها لديه هوية مشتركة، وثقافة، وتاريخ.. والجميع كان حريصا على استعادة هذه الوحدة المفقودة، والتي يعود تاريخها إلى الإمبراطورية الرومانية."

من أين جاءت فكرة الاتحاد الأوروبي؟

فكرة أوروبا الموحدة تعود إلى قرون خلت، واقترحت من قبل الجميع من أيام وليم بن، مؤسس ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وحتى الفلاسفة أمثال إيمانويل كانت، وجيرمي بنثام.

وقد كتب الروائي الفرنسي فيكتور هوغو فكرة "الولايات المتحدة الأوروبية" في القرن 19، وتطلع إلى اليوم الذي فيه الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبية "تمتد أيديهم عبر البحار.. لجني الرفاه للجميع. "

وهوغو، مؤلف كتاب "البؤساء" و"أحدب نوتردام"، توقع أن "يأتي يوم لن يكون فيه ساحات معارك ولكن أسواق مفتوحة أمام التجارة.. والانفتاح على الأفكار سيستبدل أصوات الرصاص والقنابل."

ومع ذلك، لم يكن الاتحاد الأوروبي ممكنا واقعيا إلا بعد الحرب العالمية الثانية.

لماذا بعد الحرب؟

بحلول عام 1945، تم تدمير جزء كبير من أوروبا بفعل حربين كبيرتين في تتابع سريع، ووسط الركام والأنقاض، أخذ الساسة الذين أنهكتهم سنوات من العنف، يتشاركون في الاعتقاد بأن مثل هذا الصراع لا ينبغي أبدا أن يحدث مرة أخرى.

وبدلا من التركيز على محاولة العثور على أيديولوجية مشتركة، كان غيابها السبب وراء الكثير من الصراعات في وقت سابق، رأى الساسة أن الوحدة الاقتصادية ستكون وسيلة لمنع الاشتباكات في المستقبل.

وجاء السياسي الفرنسي روبرت شومان، الذي يعتبر واحدا من الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، بفكرة إنشاء مجمع أوروبي لصناعة الفحم والصلب، بحيث أن "العناصر الأولية" للحرب، أصبحت بعيدة المنال.

ما هو المجمع الأوروبي لصناعة الفحم والصلب؟

كان هذا المجمع أول نموذج للوحدة، ويتكون من ست دول هي فرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، وتطور لاحقا إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، التي بموجبها قرر الدول الأعضاء إنشاء سوق مشتركة، وعملوا على تنسيق سياساتهم في كل شيء من الزراعة وصيد الأسماك إلى السياسة النقدية.

وعلى مدى العقود اللاحقة، أصبحت المجموعة الاقتصادية الأوروبية هي الاتحاد الأوروبي، وتوسعت من الدول الست الأعضاء إلى الـ27 دولة الموجودة اليوم، من فنلندا شمالا إلى مالطا في الجنوب.

وقد شهد هذا التوسع أيضا انضمام العديد من أعضاء الاتحاد السوفيتي السابق إلى الكتلة الجديدة، وهو أمر يسلط الضوء على دور آخر من الأدوار الرئيسية للاتحاد الأوروبي.

يقول لوغلين "خلال الحرب الباردة، تمكن غرب أوروبا من تشكيل كتلة ضد الاتحاد السوفيتي، لأنه كان يشعر بخوف حقيقي من أن الشيوعيين قد يكتسحون جميع أنحاء أوروبا بدباباتهم."

وأضاف "بعد سقوط جدار برلين، كان ذلك الجزء من العالم غير مستقر للغاية، وكان فيه نوع من الهدوء، لكن الهدوء الذي بني على القمع، وبمجرد أن انهار الجدار كانت هناك مخاوف حقيقية من الصراع."

وتابع قائلا "كان الاتحاد الأوروبي مهم جدا لضمان السلام والاستقرار في المنطقة، فقد ساعد في تحول البلدان إلى الديمقراطية، وبناء الازدهار الاقتصادي."

هل نجح الاتحاد الأوروبي في ذلك؟

يقول لوغلين إن الاتحاد نجح في تحقيق هدفه الأساسي، وأضاف "لا يزال هناك جانب مهم جدا من الوحدة الأوروبية وهو أنه لم يكن هناك حرب كبرى منذ الحرب العالمية الثانية."

وتابع "كانت هناك صراعات أصغر، في أيرلندا الشمالية وإقليم الباسك، وبالطبع كان هناك الوضع في البلقان، ولكن في هذه الحالة، احتمال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان عاملا قويا جدا في منع الحروب في المستقبل."

ومع ذلك، فقد وضعت أزمة اليورو الوحدة في مواجهة أكبر تحد لها حتى الآن، وهو اللعب على النعرات الوطنية، إذ يرى لوغلين أن "اليونانيين مستاؤون جدا لأنه يجري تصوير دولتهم على أنها غير مسؤولة."

ما مقدار عزم زعماء أوروبا على دعم الوحدة بأي ثمن؟

في وقت سابق من هذا العام، أصر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على أن أوروبا لن تتخلى عن اليورو. وقال "نحن لن تتخلى أبدا عن اليورو ولا الوحدة.. لأنها تعني 60 عاما من السلام في قارتنا.. نحن لن تتخلى أبدا عن ذلك."

ومع ذلك، وفي الأيام الأخيرة، اعترف كل من فرنسا وألمانيا بأنه من أجل ضمان بقاء العملة، فإن اليونان قد تضطر إلى الانسحاب لضمان استقرار اليورو.

هل يمكن للوحدة الأوروبية تجاوز الأزمة الحالية؟

يقول ولوغلين "لقد تم تشكيل الاتحاد الأوروبي لأسباب ثلاثة: منع الحرب، وتحقيق الوحدة السياسية، والتكامل الاقتصادي، وإذا انهار اليورو، فإن هذه الأبعاد الثلاثة سوف تكون معرضة للخطر.. أظن أنه هذا لن يحدث."

وأضاف "أظن أن الاتحاد الأوروبي سوف يعبر هذه المرحلة في النهاية، ولكن من يدري إذا كانت هناك مفاجآت كثيرة حتى وقت قريب؟"