CNN CNN

التونسيون والانتخابات: الهروب من قبضة بن علي إلى "جحيم" الإسلاميين

تقرير: حسن سلمان
الجمعة، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، آخر تحديث 21:00 (GMT+0400)

تونس (CNN) -- بمزيج من القلق والغضب، أقبل التونسيون قبل أيام على إزالة صورة عملاقة للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وُضعت في إحدى ضواحي العاصمة، ليكتشفوا لاحقا أنها مجرد "دعابة حكومية" لحثهم على المشاركة بانتخابات المجلس التأسيسي تحسبا لعودة العهد الديكتاتوري البائد.

ورغم أن الحادث السابق يحمل طابعا "دعائيا وتحفيزيا" في آن، لكنه ينطوي أيضا على قلق يسود الشارع التونسي الذي مازال حائرا في اختيار ممثليه في وقت تؤكد فيه بعض استطلاعات الرأي أن ثلثي التونسيين لا يعلمون لمن سيمنحون صوتهم مع مشاركة 110 أحزاب (متشابهة البرامج ومجهولة النوايا) في الانتخابات.

وتقول ريم (صحفية) إنها لم تقرر حتى الآن لمن ستصوت، مشيرة إلى أن برامج جميع الأحزاب متقاربة "وليس لدي فكرة عن الحزب الأجدر (لحكم البلاد) لأمنحه صوتي."

ويبدي بعض التونسيين تخوفهم من زيادة شعبية التيارات الإسلامية، في وقت ترجح فيه بعض استطلاعات الرأي فوز حزب "حركة النهضة" التي يتزعمها الشيخ راشد الغنوشي بعدد كبير من المقاعد.

وتؤكد سلوى (ناقدة مسرحية) أنها ستصوت لحزب النهضة "لأنه الحزب الوحيد الذي يمتلك مبادئ مقنعة، وتقوم على تقديس حقوق الإنسان في إطار شرعي."

فيما تحذر سامية (أدب إنكليزي) من استغلال الإسلاميين للأوساط البسيطة لتحقيق مكاسب انتخابية، مشيرة إلى أن حزب "التكتل الديمقراطي" برئاسة مصطفى بن جعفر "يمتلك برنامج واقعي وممكن التحقيق ولديه خبرة كبيرة في السياسة."

وكان راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، قد حذر قبل أيام من "مخاطر التلاعب بنتائج" الاقتراع وهدد في مؤتمر صحافي بخروج أنصاره إلى الشارع اذا حصل تزوير.

وقال الغنوشي "هناك مخاطر من التلاعب بنتائج الانتخابات والمفاجآت ممكنة لكن اذا حصل تلاعب فإننا سننضم إلى قوى الثورة وحراسها الذين أطاحوا ببن علي وبالحكومتين الأولين (الانتقاليتين)، إننا مستعدون لإسقاط عشر حكومات اذا اقتضى الأمر."

وأثارت تصريحات الغنوشي استنكارا من بعض القوى السياسية ذات التوجه الحداثي التي رأت فيها نزعة لحكم تونس بالقوة واحتكار للحياة السياسية بلغة التهديد.

وقال زعيم الحزب التقدمي الديمقراطي أحمد نجيب الشابي إن تهديدات الغنوشي تعني أن حركة النهضة تريد أن تفرض فوزها في الانتخابات بالقوة وإلا فإنها ستلتجئ لاستعمال العنف في الشارع، محذرا من "الزج بالبلاد في متاهات العنف على الطريقة الجزائرية."

ويرى الباحث التونسي العربي بن ثائر أن أطرافا إسلامية تحديثية وتقدمية وليبرالية قد تمنح صوتها للنهضة باعتبارها "صمام الأمان أمام السلفية والتحرير، ليقع هؤلاء الأطراف في منزلق تضخيم هذا الحزب خوفا من سيطرة أحزاب ليبرالية أو يسارية، ويأسا من أحزاب إسلامية أخرى صغيرة".

لكنه يؤكد لـCNN بالعربية أن أغلب خطاب النهضة مازال يراوح مكانه "لعجزها عن إنتاج خطاب جديد بسبب الإيديولوجيا الثابتة، ولأن قطاعات من الشعب التونسي انكفأت إلى البعد الخلاصي الديني بسبب انسداد الأفق والضحالة المعرفية والسطحية الفكرية في العهد 'النوفمبري' البغيض (عهد بن علي)."

ويخشى بعض التونسيين من عودة رجال بن علي أو "بقايا التجمعيين" الذين يدعم بعضهم  قوائم "مستقلين" وأحزاب تنافس في انتخابات المجلس التأسيسي.

ويؤكد بعض المراقبين أن من بين 110 أحزاب موجودة اليوم في تونس هناك نحو أربعين تشكيلة سياسية ولدت بعد الثورة أسسها أو يدعمها "التجمعيون".

ويشير هؤلاء إلى أن "التجمعيين" مازالوا يشكلون هيكلية الإدارة التونسية "حيث كان التجمع يملك خلايا في كافة الإدارات العمومية والشركات و'لجان أحياء' في كل منطقة سكنية."

ويعلق الباحث التونسي طارق الكحلاوي "بقايا التجمعيين يبدون من زاوية حسابات استطلاعات الرأي أكبر الخاسرين المتوقعين من الانتخابات لكن ذلك غير نهائي، إذ وجودهم في قائمات مستقلة وترشحيهم أحيانا لشخوص 'جديدة' متموقعة في بيئتها المحلية يمكن أن يؤدي إلى تحقيقهم بعض المفاجآت خاصة في بعض الجهات."

ويؤكد في تصريح سابق لـCNN بالعربية أن تونس بعد الانتخابات ستقف "على مفترق طرق"، مشيرا إلى أن "وجود مؤشرات على أي من أنواع وأشكال التزوير يمكن أن يفتح الأبواب على صراع عنيف على السلطة."

وفي ظل الاستقطاب السياسي الكبير الذي تمارسه بعض الأحزاب الكبرى، تبدو ثمة حظوظ معقولة لبعض الأحزاب اليسارية أو العلمانية التي تحالف بعضها مع الإسلاميين بهدف تحقيق نتيجة جيدة في الانتخابات.

ويحذر بن ثائر من وجود تحالف "دوغمائي" (متعصب) بين أطراف دينية وعلمانية- يمتد ليبتلع الدين والمجتمع بأسرهما، ويتحالف مع جهات إقليمية منخرطة في منظومة العولمة انخراط التابع كتركيا وماليزيا أو المهيمن عليه مثل إندونيسيا، أو أخرى تدعي مقاومة العولمة كالسودان وإيران."

ويشير إلى وجود طريق ثالث يجمع بين مكونات العلمانية والأصالة والوطنية والحداثة في آن واحد، مشيرا إلى أن الشعب التونسي "الذي يتميز بالذكاء والحس المدني والوطنية الرصينة" سيختار ممثلية بعناية ووعي مستقبلي لا يخلو من المسؤولية.