CNN CNN

لبنانيون يتضامنون مع السوريين رغم محاولات المنع

تقرير: بارعة الأحمر
الجمعة، 24 حزيران/يونيو 2011، آخر تحديث 00:00 (GMT+0400)
شعار اللقاء الذي جاء للتضامن مع السوريين
شعار اللقاء الذي جاء للتضامن مع السوريين
 

بيروت، لبنان (CNN) -- بدا المشهد بعد ظهر الثلاثاء خارج مستودع غير مكتمل البناء في شرق بيروت وكأن قوات الأمن اللبنانية تستعد لفك اشتباك متوقع بمناسبة دعوة تجمع "لبنانيون من أجل كرامة وحرية الشعب السوري" إلى لقاء تضامني كان ألغي الأسبوع الماضي بعدما تلقت إدارة فندق البريستول تهديدات بإحراقه لو استقبل المتضامنين.

في الشارع الذي ضاق بالقوى الأمنية تجمع عدد من الأكراد يحملون يافطات مناهضة للنظام السوري الحاكم ويرتدون قمصان كتب عليها "وقفة حداد على أرواح شهداء الحرية في سوريا"، وقالوا لـCNN بالعربية إنهم هربوا من مناطق القامشلي، والزبداني بريف دمشق، وعبر معظمهم من حدود لبنان الشمالية في منطقة وادي خالد.

الغائب الأبرز عن هذا اللقاء التضامني - الذي حضره أكثر من 150 شخصية ثقافية وناشطين وممثلين لتجمعات في المجتمع المدني ومتضامنين وعدد من وسائل الإعلام العربية والعالمية - كان قوى 14 آذار الذي يضم التيارات السياسية المناهضة للنظام السوري، ومنها رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، الموجود خارج لبنان والقوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية.

وتركزت مداخلات المشاركين حول رمزية اللقاء في ما يشبه المستودع المهجور، مشيرين إلى أن هناك "ميليشيات تمنع التحرك والتعبير في بيروت" وأن "حرية سوريا من حرية لبنان لذا نطالب بالحرية في سوريا"، فيما تعالت أصوات تعتبر أن أهمية ما حصل اليوم هو انعقاد اللقاء "رغم التهديد والوعيد."

النائب السابق فارس سعيد، الأمين العام لقوى 14 آذار، حضر في بداية اللقاء وغادر قبل البدء بمناقشة البيان، وأوضح لـCNN بالعربية سبب غياب قوى 14 آذار عن اللقاء، خصوصا أن المجموعات التي نظمته تدور في فلك هذا التجمع وسيما أن هذه القوى هي التي أطلقت شرارة ثورة الأرز التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان.

وقال سعيد: "إن قوى 14 لا تريد أن تكون في دائرة الاتهام على أنها تساند المعارضة السورية. فلو أن هذا الفريق السياسي أخذ موقف المساندة لكانت ستتم محاسبته كفريق، في حين أنه عندما يبادر المجتمع المدني، الذي لا يتلقى أوامره من أحد ولا تتحمل قوى 14 آذار إلا مسؤولية تأمين البيئة الحاضنة للتحرك تأكيدا على أن بيروت كانت وستبقى مدينة الحريات العامة والتعبير ولا يستطيع أحد إلغاء حرية التعبير فيها."

وأضاف أن "الاعتبارات السياسية ناتجة عن اتهام بعض القوى السياسية بدعم المعارضة في سوريا، وقد تجرأ أحدهم بالقول إن القوات اللبنانية ترسل السلاح إلى سوريا"، وأردف موضحاً: "هذا ما يمنع قوى 14 آذار من اتخاذ موقف واضح في هذا المجال،  لكن بما أننا أول ثورة في العالم العربي، فلا يمكن إلا أن يتضامن جمهورها مع كل ثورة في المنطقة وخصوصا في سوريا."
 
من ناحيته، اعتبر شارل جبور، أحد منظمي اللقاء، أن هناك " ثلاثة أبعاد تم تحقيقها في هذا اللقاء وهي: أولا إظهار أن اللبنانيين ليسوا على الحياد بكل ما يتصل بالشأن السوري فنحن كلبنانيين معنيين أولا من الزاوية الإنسانية الأخلاقية ومن غير المسموح ألا نبالي بما يتعرض له أي شعب من للقمع والاضطهاد ولا سيما الشعب السوري."

وأضاف: "ومن الزاوية الحقوقية من غير المسموح ألا نؤيد أي شعب في مطالبته بالحرية والإصلاح السياسي."

أما البعد الثالث، فرأى جبور أنه "يتصل بالعلاقة التاريخية 'المأزومة' بين لبنان وسوريا، إذ أثبتت هذه العلاقة منذ نشأة الدولتين أنها لم تستقم يوما، ولم تعرف الاستقرار. وهذا قبل دخول الجيش السوري، أما بعد خروجه فلم تنجح  المعاهدات والاتفاقية الثنائية بين البلدين  وصولا حتى تبادل السفراء في جعل العلاقة طبيعية بين دولتين مستقلتين. المدخل الفعلي لتصحيح هذه العلاقة هو الإصلاح الحقيقي في سوريا."

أما صالح المشنوق، نجل النائب نهاد المشنوق، فقال إن اللقاء "دليل آخر على أن الشباب اللبناني يشكل جزءا أساسيا في ربيع الثورات العربية. هذا الشباب الذي كان أول الثوار في العالم العربي عندما أطلق شرارتها عام 2005 من خلال ثورة الأرز."

وفي نهاية اللقاء، صدر بيان ختامي عبروا فيه عن تضامنهم "مع ما يريدُه الشعب السوري لنفسِه، من حريّةٍ وعدالةٍ وكرامة، والذي يؤسِّسُ حتماً لمستقبلٍ لبناني- سوري أفضلْ، ينهضُ على قيمٍ ومصالحَ مشتركة في احترِام السيادةِ الوطنيةِ والإيمان بالحريّةِ والديمقراطية وحقوق الإنسان. ديموقراطية في سوريا هي مصلحة وضرورة لبنانية."

وطالبوا في البيان السلطات السورية "بوقفٍ فوري للمجازِر ضد شعبها"، ووقف "محاولاتها المتكررة لتصدير أزمتها إلى لبنان والخارج عبَر دعايةٍ مفبركةٍ تحَتقرْ العقل، و تبرهنُ أن النظام السوري لم يتعلم شيئا من الأنظمة التي سبَقتُهْ إلى التهاوي."

وألح اللقاء على جامعة الدول العربية والأمم المتحدة "تحمل كافة مسؤولياتها تجاه سوريا وشعبها، و تفعيلْ كاملِ آلياتها بما يضمن حمايةٍ فوريةٍ للمدنيين السوريين العزّل ووقف المجازر بحقّهم."

ورفض اللقاء في البيان الختامي "رفضاً قاطعاً مشاركةِ لبنان، رغما عن إرادة شعبه، في جرائم ضد الانسانية، عبر اعتقال وتسليم جنود ومدنيين سوريين كانوا قد فروا الى لبنان رفضا للمجازر، وذلك خلافا لشرعة حقوق الإنسان ومعاهدة منع التعذيب التي التزم بها لبنان"، وطالبوا "الدولة اللبنانيّة باحتضانِ وحماية جميع النازحين من سوريا بشكل يتوافقُ مع  التزاماتِنا وثقافتِنا وقِيمِنا."

من جهتها، أرسلت الناشطة السورية رزان زيتونة، رسالة إلى اللقاء في لبنان بعنوان "إلى أصدقاء الحرية في لبنان الجميل"، قالت فيها: "ليت للكلمات التي أكتب شفاه، إذا لرأيتم ابتسامتها. كل ما هو سوري يبتسم اليوم. الوجوه الحبيبة لأكثر من ألف شهيد في ألف غيمة أمطرت في بلادي حياة بعد طول موت. آثار السياط ولسعات الكهرباء على أجساد أكثر من عشرة آلاف معتقل ومعتقلة، تبتسم، وتأوهاتهم في أقبية الظلام والكراهية، تبتسم."

وتابعت: "أبواب البيوت التي اقتحمت وأسرة الأطفال الذين روعوا في أحلامهم، مونة المكدوس والزيتون والسمن البلدي التي أهرقت بأعقاب البنادق، أيضا تبتسم. وغطاء رأس الجدة التي قتلت في المرقب يبتسم، وكذلك دموع الطفل أبا زيد الذي أفاق على جده وأعمامه في مقبرة جماعية، ووجهه الصغير الباكي يختصر أوجاعنا على مدى أجيال. عنفوان الشباب الذين بطحوا أرضا ودعست الأحذية العسكرية على رؤوسهم في ساحات المدن، يبتسم، وكذلك لوعتنا وقلقنا على أحبتنا الذين فقدنا أخبارهم وراء أسوار أجهزة الأمن."

وأضافت: "كل الألم السوري يبتسم اليوم، ليس لأننا شعب يهوى المعاناة، بل لأننا كنا على هذا الألم منذ الأزل، فرادى وحيدين وعاجزين عن مقاومته. ألم يتعرض للإنكار من القريب والغريب على حد سواء، إنكار بدعوى الخوف أو التملق أو النفاق أو المصالح أو الشعارات الرنانة. واليوم هذا الألم يعلن عن نفسه ويفرض نفسه على العالم أجمع، بالصوت والصورة والنبض وهتاف الحرية والسلمية، بجثامين الأطفال ولوعة الأمهات وشجاعة الشبان والشابات. يعلن عن نفسه منتفضا ضد نفسه، ضد الإذلال ودعاوى الذل التي ألصقت بأصحابه، ومن أجل ما يستحقون من كرامة ومن حرية."

وقالت: "والألم السوري يبتسم اليوم، لأن الأحرار في غير مكان من العالم، مسدوه بكلمة أو موقف أو اعتصام أو إشعال شمعة. ولأن بيروت الحبيبة، وعبر لقائكم هذا، تستحضر اليوم ابتسامة سمير قصير التي تظلل حكاية الانتفاضة السورية المستمرة من أجل الحرية. ولأنه أخيرا، يرى في الآتي، بلادي وهي جميلة أبية ومنيعة ضد الاستبداد والمستبدين."

وختمت رسالتها قائلة: "من دمشق إلى بيروت، لكم جميعا سلة ياسمين ومحبة إلى أن نلتقى على حرية.. الرحمة لشهدائنا الأبرار، والحرية لمعتقلي الانتفاضة السورية ومعتقلي الرأي في كل مكان."