CNN CNN

رفيق سبيعي: مستقبل العرب إما أسود أو غامض

أجرى المقابلة: محمد الأزن
السبت، 29 أيلول/سبتمبر 2012، آخر تحديث 23:00 (GMT+0400)



دمشق، سوريا (CNN) --  قال الممثل السوري رفيق سبيعي إنه لطالما كان هناك صراع بين "رفيق سبيعي" وبين شخصية "أبو صيّاح"، التي حرص دائماً على التمرد عليها كممثل، هذه الشخصية التي تبدو الصورة المكتملة للشخصية الشعبية، أو ابن الشعب.

وأشار سبيعي، في حوار لموقع CNN بالعربية، إلى أنّ شخصية الزعيم، التي يقدمهّا في مسلسل "طاحون الشر" تحمل الكثير من المعطيات الجميلة التي ألف الجمهور العربي رؤيتها في رفيق سبيعي.

وخلال المقابلة، لم يبدو فنّان الشعب متفائلاً بالمستقبل الذي بدا من وجهة نظره "إمّا أسود أو غامض،" وأعرب عن أسفه الشديد للحال التي يعيشها العالم العربي مؤخراً.

وفيما يلي نص المقابلة:

- ماذا يقدّم رفيق سبيعي في موسم 2012؟

لست مؤمناً بالأساس بفكرة الموسم، لكن الظروف خلقتها، وبطبيعة الحال أخضع كغيري من الفنّانين لهذا التقليد السنوي. يُعرض لي في موسم 2012 مسلسل (طاحون الشر)، وأجسد فيه شخصية الزعيم، أو مختار الحارة الذي يحظى باحترام الجميع في حارته.

- مالذي لفتك في هذا الدور الذي قد يتقاطع سابقاً مع ماقدّمته من أعمال خلال مسيرتك الفنيّة الطويلة؟

أعجبتني الشخصية لأنها تتلاءم مع المرحلة العمرية التي أعيشها، كما أن المسلسل يرصد الكثير من الأحداث المميزة، فوافقت على الدور بالرغم من إعلاني الإضراب عن أعمال البيئة الشاميّة لأنني لاحظت  تقديمها لأفكار لا أميل للمساهمة في الترويج لها فابتعدت عنها لفترة، لكن حينما وجدت أن شخصيّة (الزعيم) في (طاحون الشر) تناسبني، وافقت عليها، فهي تحمل الكثير من المعطيات الجميلة كما ألف الجمهور العربي أن يرى  في رفيق سبيعي، وينبغي أن يعلم المُشاهِدْ أن موافقتي كانت بمثابة إنقاذ موقف حيث كان هذا الدور من نصيب الفنّان الراحل خالد تاجا.

- شخصية "طوطح اليهودي الدمشقي" التي قدمتها في مسلسل "طالع الفضة" كانت من أبرز شخصيات موسم 2011، اعتذر عنها العديد من الفنّانين وأديتها أنت... لماذا؟

هناك مبدأ اتخذته منذ زمن في العمل الدرامي وهو أن لا أؤطر نفسي في يومٍ من الأيام، فلطالما كان هناك صراع بين شخصية (أبو صيّاح) وبين (رفيق سبيعي)، حيث حرصت دائماً على أن أتمرد عليها، وحينما كانت تحين الفرصة بالنسبة لي لتقديم شخصية جديدة كنت أسعى لأدائها، ومن هذه الشخصيات (طوطح) الذي رفض تجسيد دوره العديد من نجوم الدراما السورية الكبار، فللأمانة هذا الدور لم يكن معروضاً علي في بادئ الأمر رغم أنّه أعجبني على الورق، وقلت للمخرج (سيف الدين سبيعي) وقتها بأنه دور جميل لكنّه لم يبدِ أي ردّة فعل تجاه هذا الموضوع، لكنني علمت لاحقاً باعتذار فنّانين كبار عن هذا الدور، وحينئذٍ عرضه عليّ (سيف) فشعرت بالسعادة لأنه يمكن أن يبرز طاقات كامنة في شخصيتي كممثل."

- قيل في الصحافة وقتها على لسان ابنك المخرج سيف الدين سبيعي إنك أعدت اكتشاف نفسك في الثمانين عبر شخصية "طوطح".. ما مدى صحة هذا الكلام بالنسبة لك؟

 "وجهة نظر قد تكون على حق. أنا أحببت هذه الشخصية لفلسفتها في الحياة، ووجدت أنها شخصية (دونكيشوتيه) تقريباً، وأديتها حسب مفهومي لها، ولم أتوقّع الصدى الجماهيري الذي حققته، حتى القائمون على المسلسل لم يتوقعوا نجاحها، فـ(طوطح اليهودي) كإنسان لا يؤمن إلا بالله فقط، ويبني علاقته معه بشكلٍ مباشر، وما تبقى يبدو كلاماً غير منطقي بالنسبة له... (طوطح) أبرز طاقة بداخلي ربما لم تكن مرئية بالنسبة للجمهور، وأثبت للمشاهدين بأن لدي قدرات كممثل تفوق ما شاهدوه في إدائي من قبل، ولطالما كان هذا هدفي طوال حياتي.

- هل اتكأ رفيق سبيعي على موروثٍ ما في الذاكرة لأداء شخصية "طوطح"؟

أبدا، ولكن لا شك بأن كاتِبَي العمل (عنود الخالد، وعبّاس النوري) رسما ملامح شخصية أقرب إلى المثالية، وهذا سبب محبتي لها، فطوطح متعلق بالمكان الذي ولد وعاش فيه، وجذوره ضاربة في أعماق الشام، ولا يستطيع أن يفارق رائحة النارنج، إلى جانب معرفته الشاملة بكل الأشياء، والعواطف، والواقع، والحِكَمْ التي تبرز من خلال حديثه، وتعامله مع باقي شخصيّات المسلسل. كنت سعيداً بأداء الدور، صحيح  أنني تعبت كثيراً، لكّن هذا التعب زال بظهور النتيجة، فالتلفزيون لم يعد مجّرد فُرْجَة بالنسبة للمشاهدين، بل أصبحوا  أكثر انتقائية لكثرة ما يشاهدون من أعمال، ويميّزون بين الممثل المُجيد القادر على ابتكار الشخصيات، وذلك الذي يقدم نفس الشخصية ولايغادرها في كل الأعمال التي يشارك فيها، وأرى أنه من المهم أن يجتهد الممثل لكي يتوصل إلى هذه التقنيّة في الأداء.

- أنت أول من قدم شخصية القبضاي الشامي في الدراما السورية عبر شخصية "أبو صياح" إلى أي سنة يعود تقديم هذه الشخصية بالضبط؟

منذ زمنٍ بعيد، في خمسينيات القرن الماضي، وأوّل مرّة قدمتها عن طريق الصدفة، حينما أراد الفنّان أنور المرابط أن يتغيبّ عن أداء فصل كوميدي يلعب فيه دور (الحمّال: العتّال) في أحد مسرحيات الراحل عبد اللطيف فتحي، وكنت أعمل وقتها ملقماّ في مسرحه، لم أنم ليلتها من الفرحة، واعتبرت هذا الدور نوعاً من الامتحان الذي يمهد لي الطريق كممثل، استعرت الشروال وباقي الاكسسورات، ليفاجئ فتحي بي عندما رآني على المسرح رغم علمه المسبق بأنني أنا من سيؤدي هذا الدور، أديّت في ذلك اليوم الشخصية على طبيعتها كما تبدو في الحياة، وشاهد أدائي وقتها المرحوم حكمت محسن، وتنبأ لي بالنجومية منذ ذلك الحين، مؤكداً بذلك نبؤة شاعر أرمني قرأ لي طالعي في الفنجان، وأوّل ما حملت اسم (أبو صيّاح) حينما اعتليت المسرح للغناء تحت هذا الاسم، وساهم الغناء في رفع أسهم هذه الشخصيّة وانتشارها، فلطالما آمنت بأن الفن للمجتمع، لأننا كشعب بحاجة إلى نوافذ ثقافية يشكل الفن أحدها، وكل الأغاني التي قدمتها كان فيها نوع من العظات، التوجيه، والإرشاد.

- ألم يخطر ببالك إعادة تقديم شخصية "أبو صياح" بنفس مواصفتها أو بمعطيات جديدة في أحد مسلسلات البيئة الشامية العديدة التي شاركت بها؟

العمر يبدو عاملاً حاسماً في هذا الموضوع، لكنني قدمت عدة أعمال تتقاطع مع هذه الشخصية، وليس بالضرورة أن تحمل نفس الاسم، إلا أنها تبدو الصورة المكتملة للشخصية الشعبية، أو ابن الشعب، والإنسان المحب للخير، شخصية (أبو صيّاح) نمت بداخلي منذ الصغر، واستقيت مفرداتها من المحيط الذي نشأت فيه، فأنا ابن حي (البزورية) الواقع في قلب دمشق إلى جانب (قصر العظم)، وبين منزلي والجامع الأموي مسافة لا تتعدى المائة متر، لذلك أنا لا أودي هذه الشخصية على سبيل التمثيل، وإنما أعيشها، ورنين لهجتها مازال يتردد في أذني منذ الصغر، ولا أحتاج للتكلف في أدائها.

- كنت من أبرز الفنّانين السوريين الذين قدموا المونولوج أو الأغنية الاجتماعية الناقدة... إذا أردت أن تقدم أغنية جديدة من هذا النوع فماهي الظاهرة التي يمكن أن تنتقدها في شباب اليوم؟

أعتبر أنني قلت كل ما عندي للشباب، لذلك بدأت ألتفت لسلوكيات الإنسان بشكل عام، ولازالت أقدم الأغاني الناقدة، إلا أنها تبدو مؤخراً بعيدة عن الشباب نوعاً ما، لكنّها تتحدث عن المجتمع ككل، وآخر أغنية أسعى لتسجيلها قريباً في الإذاعة يقول مطلعها: (قال ما بحكي بالسياسية، لأ بحكي ليش الكذب)، وأسعى من خلالها للتناغم مع الوضع السائد في المنطقة العربية ككل."

- ومالذي يمكن أن يقوله رفيق سبيعي في السياسة خلال هذه المرحلة؟

لا أقحم نفسي بالسياسة بالمعنى الفضفاض لهذه الكلمة، لكنني أحاول أن أقنع المتلقي بوجهة نظري إزاء ظاهرةٍ معينّة لتلافي بعض الممارسات الخاطئة، وهذه مهمتي كفنّان، أو كناقد غنائي أسعى لخدمة الناس الذين يؤمنون بكلامي، ويقتنعون به، وسأترك الأغنية مفاجأة للجمهور.لالا 

- في رصيدك العديد من الأفلام السينمائية من بينها فيلمين للرحابنة هما "سفربرلك" و"بنت الحارس". فماهي أبرز ذكرياتك عن تلك المرحلة؟

أبرز الذكريات هي العلاقة التي جمعتني بالأستاذين الراحلين عاصي ومنصور رحمهما الله. كانا بحق أساتذة كبار، بل أكبر من الحجم الذي يعرفه الجمهور عنهما، وهذا ما لمسته من احتكاكي بهما، ولاحظت مدى التطور الثقافي لديهما، وفهمها الخاص للحالة التي عشناها في المنطقة، الأمر الذي ترجماه إلى عطاءٍ فنيّ زاخر، مستمر، وثابت الأركان عبر الصوت الملائكي للسيدة فيروز.

- متى كانت آخر حفلة حضرتها للسيدة فيروز؟

لم أحضر لها حفلة حيّة قط، رغم أنني أستمع لأغنياتها بنهمٍ شديد، ولطالما أشعر بأنني أسمعها للمرّة الأولى، وأرفع القبّعة لهذا الصوت الذي أعتبره هبةً من السماء.

- هل من حلم ضاع من بين يدي رفيق سبيعي خلال هذه المسيرة الطويلة؟

في الفن، لم أحلم بشيء إلا حققته، إلا أنني حرمت من أشياءٍ كثيرة في الحياة بسببه.

- ما الذي يؤرقك اليوم؟

أكثر ما يقلقني هو الحال الذي نعيشه في منطقتنا العربية مؤخراً، كنت أتمنى أن لا نصل إلى ما نحن عليه، لكن على مايبدو أن ماهو مخطط لنا من قبل الدول العظمى في العالم... يمضي قدماً.

- ماذا تعني بكلامك؟

في أحد المرّات سألت أحد الوزراء العرب -أفضّل عدم ذكر اسمه- عن سبب الحال الذي وصلنا إليه، وحينما ضيّقت عليه بالسؤال قال لي: (أمرنا ليس بيدنا)، أليس هذا مؤسفاً؟!.

- ما أكثر ما يتمناه فنّان الشعب للمستقبل؟

لطالما نادينا بوحدة شعوب المنطقة، وتبنينا هذا الشعار ودافعنا عنه، وأعتقد أن هذا الحلم ضاع مع الأسف رغم إيماننا يوماً ما بإمكانية تحقيقه، لكن ما أراه لا يبشر بالخير.

- لمن يقول رفيق سبيعي اليوم "ياولد لفلّك شال"، أو "حلو الكلام"؟

لم تعد كلتا العبارتين تفيد في شيء، فالكلام لم يعد حلواً بالمرّة، كما أن المظهر ليس وحده من يدلك على الشخصية بشكل كامل، فما ينبع من دواخل الناس يخرج للعلن بصورةٍ مشوّهة للأسف الشديد، وهذا ما يحزنني ويدفعني للاعتقاد بأن المستقبل إما أسود، أو غامض، ولدي ثقة بأنني ربما أفارق الحياة قبل أن أرى بصيص نور في اجتماع شعوب المنطقة مع بعضها البعض، مع أنها أقرب لذلك.