CNN CNN

هل فتح الرئيس الفلسطيني صندوق "باندورا"؟

بقلم: الدكتور جواد العناني
الاثنين، 12 كانون الأول/ديسمبر 2011، آخر تحديث 16:35 (GMT+0400)
 

فتح الرئيس الفلسطيني محمود عباس صندوق مشاكل لكثير من القوى والدُّول في العالم بطلبه من الأمم المتحدة أن تكون فلسطين كاملة العضوية فيها. وقد وجدت كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي نفسها في مأزق حرج تسعى للخلاص منه عن طريق الضغط على الطرف الفلسطيني لكي يسحب طلبه دون أن يعطى أي ضمانات أو تطمينات مقنعة.

والواقع أن طلب الولايات المتحدة عبر الرئيس "باراك أوباما"، ووزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون" وأعضاء آخرين في الكونغرس سحب مشروع القرار الفلسطيني يذكرنا بحكاية عربية طريفة.

فقد سئل رجل عن أسباب بحثه ليلاً عن محفظة نقوده في مكان غير المكان الذي فقدها فيه، فقال: "لا يوجد ضوء في المكان الذي فقدتها فيه، أما هنا حيث أفتش، فالضوء موجود ويساعدني في البحث."

والضغط على الجانب الفلسطيني هو ضغط في المكان الخاطئ، فالموقف الإسرائيلي الرافض لقبول فلسطين دولة كاملة العضوية على الأرض المحتلة هو الذي تدور حوله مواقف الولايات المتحدة وأوروبا المترددة، وتسعى للتخلص منه بالضغط على الطرف الفلسطيني الأضعف.

فإدارة الرئيس "أوباما" لا تريد أن تجيش اللوبي اليهودي المتنفذ سياسياً وإعلاميا ومالياً ضدها في الوقت الذي تحتاج لصداقته كي تكسب معركتها مع الجمهوريين في تمرير برنامجي التوظيف وتخفيض العجز في الموازنة، خاصة وأن الانتخابات الرئاسية والتشريعية قد باتت على الأبواب العام (2012).

ومما يزيد من أزمة الإدارة الأمريكية هو تدني شعبية الرئيس إلى أدنى الحدود.

ومع أن استفتاءات الرأي العام (استفتاء الـ"بي. بي. سي" يوم 18 سبتمبر/أيلول الجاري) أظهرت أن 45 في المائة من الأمريكان الذين سئلوا يؤيدون المطلب الفلسطيني و26 في المائة كانوا ضده، إلا أن إدارة "أوباما" لن تجازف بالوقوف مع هذا الرأي في هذه الظروف بالذات.

ولكن تصويت الولايات المتحدة بالفيتو ضد القرار سيفقدها دورها كوسيط نزيه في التفاوض، ويفسح المجال لمنافسين آخرين للعب هذا الدور، مثل الصين وروسيا اللتين من المتوقع أن تصوتا مع القرار.

ونظراً لدور الإدارة الأمريكية المتقاعس في تأييد الربيع العربي خاصة في تونس وليبيا وسوريا، فإن سمعة الولايات المتحدة قد تراجعت كثيراً، علماً أن الرئيس الأمريكي هو من بادر لإصلاحها في بدايات رئاسته، وخطابه في القاهرة ما يزال يطن في الآذان.

وليس من المتوقع أن يقبل الرئيس عباس بالضغوطات التي تمارس عليه خاصة من قبل الولايات المتحدة، ورغم التهديدات بقطع المساعدات الاقتصادية عنه. فقد جرب الإدارة الأمريكية التي دعت لقيام دولتين في أرض فلسطين التاريخية قبل سنوات في عهد الرئيس بوش وأوباما ولم تفلح.

وكذلك خذلت الإدارة الأمريكية الرئيس عباس عندما تخلت عن مطالبتها إسرائيل بوقف الاستيطان، وتركته معلقاً على الشجرة حين رفض العودة للتفاوض قبل أن يتوقف الاستيطان توقفاً كاملاً متقوياً بالموقف الأمريكي الذي تغير لاحقاً.

وأخيراً فقد صارت سمعة الرئيس عباس مثل جبنة "الأمينتال" السويسرية عندما خضع للضغوط وسحب تقرير"غولدستون" حول ممارسات إسرائيل المخالفة لحقوق الإنسان وحال دون إصدار مفوضية حقوق الإنسان قراراً بإدانة إسرائيل.

وتشكل هذه كلها سوابق يتذكرها الرئيس عباس تماماً، وتعلم منها دروساً قاسية.

أما الموقف المثير للتساؤل فهو موقف حركة حماس، التي أعلن رئيسها والناطق الإعلامي باسمها عن رفضهما تأييد الخطوة، متعللين بأنها لن تنجح، وحتى إذا نجحت فلن تفضي إلى أي شيء ملموس على أرض الواقع.

ولكن الأكثر احتمالاً هو أن حماس تراهن على الفيتو الأمريكي مما يحرج خصومها في حركة فتح، ويخفف عنها الضغوط الدولية بقبول إسرائيل والاعتراف بها، خاصة وأن أنصارها في إيران وسوريا يتعرضون لضغوط محلية وإقليمية ودولية كبيرة.

أما الموقف الأردني فهو التأييد المعلن للطلب الفلسطيني، وقد أعطى الأردن هذا الموضوع أهمية، إذ ترأس الملك عبد الله الثاني الوفد الأردني إلى اجتماعات الأمم المتحدة.

ولكن الأردن ربما يواجه، حتى ولو مرر القرار عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، بضغوط متزايدة عليه للبحث عن صيغ ملائمة لعلاقات إستراتيجية مستقبلية مع الدولة الفلسطينية في الوقت الذي تبقى فيه قضايا الحل النهائي معلقة علماً أن حلها يصب في مصالح الأردن العليا مثل موضوع اللاجئين، والحدود، والقدس، والترتيبات الأمنية، والمياه، وغيرها.

لاشك أن الطلب الفلسطيني بالعضوية الكاملة قد وضع الأطراف المعنية في موقف لابد أن تظهر فيه حقيقة سياساتها وأولوياتها.

وبصرف النظر عن النتيجة، فإن الأيام ستكون حبلى بالأحداث، وإن كانت بوصلتها متذبذبة، ولا يعرف أي اتجاه سوف تستقر عليه.

* الدكتور جواد العناني: خبير اقتصادي وسياسي، شغل منصب وزير الخارجية ورئيس الديوان الملكي الأردني سابقاً.

* الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع CNN بالعربية.