كاتب هذه المقالة مسؤول سوري سابق عمل في وزارة الخارجية، وافقت CNN على طلبه بعدم كشف هويته لدواع أمنية، تناول فيها "وفاة" طبيب بريطاني زعم النظام السوري إنه مات منتحراً بأحد سجون البلاد.

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- حزنت لدى سماعي بنبأ وفاة د. عباس خان، ولأول مرة طيلة تجربتي المريعة مع الصراع السوري أحسست بالمرارة والغضب.

تابعت بترقب قضيته، وأملت أن تتاح له فرصة العودة سالماً إلى عائلته، واطلاعنا بما حدث، فشهادته كانت لتكون أكثر مصداقية من روايات نسمعها يومياً، رغم أن المصداقية لم تعد أمراً مهماً لتحدد موقفك من أفعال النظام، إلا أنها قدمت العذر المناسب للمجتمع الدولي لتبرير تقاعسه.

الموت في سوريا أصبح سمة اعتيادية لدرجة أصبح لا يسترعي انتباه معظم الناس، والمرور عليه سريعاً والتمتمة بعبارات تعبر عن واقع مريع.. نحن كسوريين اعتدنا، وبشكل يومي، على رؤية مشاهد بشعة للبطش والتعذيب والوحشية، لحد أصبح يستدعي فيه الوضع "ميتة مقززة" لجذب انتباهنا.. هذا لا يعني بأننا أصبحنا متحجرو القلوب.. بل ببساطة استنزفت عواطفنا.

ولكن، كسوريين، قد ننتبه إلى تفاصيل قليلة قد تغيب عن آخرين، على سبيل المثال، أنا لست بحاجة لأي إيضاحات، أو تفسيرات أو تبريرات، بشأن الأسباب التي تقف وراء موت خان، أعرف أن النظام قتله، لأنه نمط مألوف ومتطابق لدرجة يمكننا الجزم وبدقة التكهن بما سيبدر عن النظام في قضايا مماثلة.. فالعديد من المسؤولين في النظام اغتيلوا خلال العقود الأربعة الماضية، ثم قيل انهم انتحروا.. يمكنكم سؤال اللبنانيين، فهم شهود على حنكة النظام في إطلاق الرصاص أربع مرات على شخص، ثم الادعاء بأنه فعل ذلك بنفسه.

الإيحاء بمسدس

لن أنس مطلقاً نظرة مسؤول سوري بارز، كان غاضباً للغاية من كيفية تعامل نظام الأسد مع الأحداث في مدينة درعا في الأيام الأولى من الثورة.. لقد سألني لماذا فشل الأسد في أن يجبر ابن خاله، الذي كان عمدة للمدينة، للإقدام على الانتحار؟.. وأخذ مسدساً ووجهه نحو  رأسه، في إيحاء غير مباشر بأن النظام فعل ذلك من قبل.

لا يمكن أن ينتحر خان باستخدام بيجامته لأن المعتقلين في السجون السورية يجردون من كافة ملابسهم إلا الداخلية، خشية أن تمثل خطراً عليهم، لكن لنقبل فرضية أن بيجاما قدمت له وكان من القوة التي تمكنه للتسلق للوصول إلى إحدى الدوائر المعدنية بالسقف، وهي منتشرة بكثرة في السجون السورية، نظراً لقدرتها على تحمل أوزان الشبان، الذين يجري تعليقهم رأساً على عقب بتوثيق ساق واحدة وترك بقية الجسم معلقاً ليدور حول نفسه جراء الضرب العنيف أثناء "الاستجوابات.. فعلياً ما كان ليقدر على ربط البيجامة حول عنقه، ومن ثم في الحلقة لأنها عالية للغاية.

أما الخيار الآخر بشنق نفسه من نافذة، فهذه فرضية غير قائمة، لأن الزنزانات ليست بها نوافذ، فإذا قتل عباس نفسه بحق.. فإنه كان مدفوعاً بالظروف البالغة القسوة حوله.. من سيقتل نفسه قبل يومين من منحه رخصة جديدة للحياة بالخروج من جهنم حقيقية؟.. انظروا إلى صور أحد السجون السورية.. أنها زنزانة لشخص واحد.

محنة السجناء في سوريا

وفاة عباس لن تزيد شيئاً إلى ما تحظى به مكانة النظام من وحشية، لكن نأمل أن تجذب، أنظار المجتمع الدولي إلى محنة المعتقلين بسجون سوريا.. أحس بأنهم أصبحوا أشباحاً مفقودة لا يهتم أحد بالسعي إلى مساعدتهم، فالألم والتعذيب المريع الذي يمرون به قد يكون كافياً لأن يتحرك العالم بأسره لمحاولة تقديم العون لهم، لكن السياسيون منشغلون بقراءة ما بين السطور، ويتساءلون عن المدى الذي يسيطر فيه النظام على الوضع.. ولا أحد يعبأ بذلك.

منذ نحو ثلاثة أعوام، أطلق النظام آلة قتل مستعيناً بكافة الخدع والأساليب في دليل هتلر لقتل أكبر عدد ممكن في وقت واحد، ولديه كل الامكانيات المتاحة للاستمرار في ذلك، حتى اتخاذ بعض التدابير المتطرفة.. بالأسد أو بسواه، فموت عباس لا يجب أن يثير أسئلة بشأن لعبة السلطة في داخل النظام السوري فحسب، بل أسئلة حول كيف يمكن أن يساعد العالم أولئك من يعانون تماماً، كما كان عباس قبل قتله.

يشار إلى وجهة النظر الواردة تعكس ارآء كاتبها ولا تعبر عن رأي CNN.