CNN CNN

بقلم جورجيت قليني: استقلال القضاء والرأي العام

الخميس ، 05 كانون الثاني/يناير 2012، آخر تحديث 11:00 (GMT+0400)

لا شك أن استقلال القضاء كان ولا زال وسيظل من أهم الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية، وذلك ليس بهدف حماية مقام القاضي أو هيبة العمل القضائي فحسب، ولكن تأتي أهمية استقلال القضاء في المقام الأول في تحصين عمل القاضي من أي تدخل، وذلك حماية لحق المتقاضي نفسه وصونه للعدالة ذاتها، وحتى يتمكن المتقاضين من الحصول على حقوقهم من خلال أحكام صادره من قضاه متجردين عن أي هوى ومستقبله عن أي تدخل.  

وبناءا عليه، فان مسألة استقلال القضاء تعد وبحق هي المدخل الرئيسي للعدالة، وكلمه الرئيسي مقصود بها أن هناك مداخل أخرى للعدالة، مثال أن يكون أمام القاضي قوانين عادله يستطيع من خلال الاستناد إليها، وتطبيقها تحقيق العدل حيث أن القاضي لا يستطيع أن يفعل شيء حيال قوانين تجافي العدالة، إذ انه غير مسؤول عن التشريع، ولا يملك تعديله.

صحيح أن القاضي يملك إذا طلب احد المدعيين في أحدى الدعاوى ألمنظوره أمامه إحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية في حاله وجود شبهه عدم الدستورية حول القانون المراد تطبيقه واطمأن القاضي لجديه هذا الدفع، إلا انه لا يستطيع أن يستبدل هذا القانون بقانون آخر ما لم يصدر عن السلطة التشريعية.

ولن أسهب أكثر من ذلك في هذه الجزئية عوده إلى موضوعنا الأصلي إلا وهو، استقلال القضاء. 

حقيقة الأمر أن معظم المعالجات القانونية والدستورية التي تصدت لمعالجه موضوع استقلال القضاء انصبت في معظمها على فكرة استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية وغيرهما من الأشخاص الاعتبارية وأيضا على عدم قابليه القضاة للعزل إلا من خلال المجلس الأعلى للقضاء وبموجب القانون.

ولكن يثور التساؤل حول ما إذا كان المقصود باستقلال القضاء يقتصر على الفرض السابق فقط؟ الحقيقة أن معنى استقلال القضاء يتسع ليشمل عدم جواز التدخل والتأثير من قبل على ما يصدران القاضي من إجراءات أو أحكام  أو قرار عباره الغير هنا تتسع للكافة بما فيها الإعلام والرؤى العام الذي يسمح للقيادة السياسية أو السلطة التنفيذية اوالسلطة التشريعية أو السلطة أخرى بالتدخل في عمله مثله مثل القاضي الذي يتأثر بالرأى العام أو الذي يرضخ لتأثير الإعلام، فكلاهما احتكم لغير ضميره.

صحيح أن الأحكام القضائية تصدر باسم الشعب ولا احد يستطيع أن ينكر أيضاً أهميه حرية الإعلام والصحافة باعتبارها من الحريات المكفولة بالمواثيق الدولية وأيضا بالدستور إذ أن الإعلام احد أهم دعائم الديموقراطية، ولكن لا يستطيع احد أن يتجاهل حقيقة هامه، وهي أن الحرية والمسؤولية وجهان لعمله واحده كلما اتسعت مساحه احد الوجهين اتسع بالضرورة الوجه الآخر بشكل مساوي، وعليه فإذا نادينا بدعم حرية الإعلام فالضرورة تقتضى التأكيد على المسؤولية.

وتتمثل مسؤوليه الإعلام في عده أوجه أهمها تحرى ألدقه في صحة المعلومة   الفصل بين الرأي والخبر احترام القانون وعدم مخالفه أوامر حظر النشر الصادرة عن أي هيئه قضائية، عدم المساس بقرينه البراءة، وهي التي يعبر عنها بعبارة المتهم برئ حتى تثبت إدانته، وهو من أهم مبادئ حقوق الإنسان الواردة في المواثيق الدولية والدساتير الوطنية.

وبناءا عليه، فعندما يتعرض الإعلام بالرأي في أدانه متهم أو براءته، فان ذلك يعد اعتداءا على قرينه البراءة، فما بالنا عندما يقطع الإعلام بالإدانة أو البراءة ممهدا الرأي العام إلى رأى معين ثم يأتي حكم القضاء الذي استند إلى الأدلة الصحيحة ومرورا على صحيح القانون مخالفا توقعات الإعلام، الأمر الذي يترتب عليه صدمه الرأي العام، وبدلا من التسليم بحكم القضاء واحترامه والاعتراف بان القاضي الذي اصدر الحكم أبى أن يذعن لغير ضميره وعلمه ولم يخشى في الحق لومه لائم حتى ولو كان هذا اللائم الرأي العام ذاته وانه لم يقضي بما يرضي الإعلام والرأي العام وإنما قضى بما يرضي ربه ومن بعده ضميره، نجد البعض يحاول البحث عن أسباب واهية لتبرير اختلاف الحكم القضائي عن توقعاتهم والخاسر الوحيد من هذا الارتباك هو عدم إحساس الرأي العام بالرضاء والعدل بالرغم من تحققه بالفعل.

 لذلك فالأمل معقود على مراجعه وسائل الإعلام التي هي بحق تعد احد أعمدة الديموقراطية أن تراعي ضوابط العلاقة بينها وبين العمل القضائي، وبذلك تكون سندا للعدل ومنارة حقيقية للرأي العام.

*الدكتورة جورجيت صبحي قليني‏ عضو المجلس القومي لحقوق الانسان، نائب سابق في البرلمان المصري.  

* الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع CNN بالعربية.