CNN CNN

"شهداء أم قتلى؟" صراع على ضحايا بورسعيد

الجمعة، 09 آذار/مارس 2012، آخر تحديث 17:00 (GMT+0400)

القاهرة، مصر(CNN) -- بين الموقف الديني حيال قتلى أحداث بورسعيد والوضع الميداني الذي اشتعل بعد مصرعهم، الكثير من التشابه. فالانقسام السياسي الذي عاد بقوة في الشارع والبرلمان كان له تردداته بأروقة المؤسسات الدينية.

وبموازاة البحث عن المتسببين بـ"المجزرة،" انشغل البعض في البحث بإسباغ صفة "الشهداء" على القتلى، في اختبار جديد لقدرة التيارات الإسلامية على تحديد الأساليب "الدبلوماسية" بالتعامل مع "قضايا الرأي العام،" ابتداء من تماثيل الفراعنة القديمة، وصولاً إلى رفع الأذان في البرلمان.

فكما حرصت القوى الإسلامية الفائزة في الانتخابات الأخيرة بمصر على التمايز سياسياً عن سائر القوى الأخرى، سواء على صعيد مطالب التحرك في الشارع أو تسليم السلطة للمدنيين، كان لبعض الشخصيات فيها دور بإبراز موقف مغاير للتوجه العام حيال وصف قتلى أحداث بورسعيد.

وفي هذا السياق، برز تعليق عبد المنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية بالإسكندرية، الذي أدلى بدلوه في القضية خلال خطبة الجمعة في الثالث من فبراير/شباط الجاري، فرفض إطلاق وصف "الشهداء" على ضحايا الأحداث، وقال إنهم لقوا مصرعهم "في سبيل لهو لا قيمة له."

كما شبه الشحات لعبة كرة القدم حالياً بـ"المقامرة،" واعتبر أنها "دخيلة على المسلمين ومستقاة من الغرب،" ورأى أن الذين ذهبوا لحضور المباراة "لم يكونوا ذاهبين في سبيل الله، إنما في سبيل لهو لا قيمه له ينهى عن عبادة الله."

وقد تحدث الشحات لـCNN بالعربية قائلاً إن ما جاء في خطبته تعرض لـ"سوء فهم وتحريف،" مضيفاً أنه يعتبر الذين سقطوا في بورسعيد "قتلوا ظلما،" وندد بمنتقديه قائلاً إنهم يهاجمونه في سياق "حملات الهجوم الدائم بوسائل الإعلام ضد التيار السلفي وضده شخصياً."

ورغم أن الشحات عرف بالمواقف الدينية المثيرة للجدل، غير أن موقفه من أحداث بورسعيد زاد الجدل حول قدرة التيارات الدينية في مصر على اختيار الخطاب المناسب، إذ أنها مطالبة أمام جمهورها بملائمة المواقف السياسية مع المعطيات الدينية التي تعتقد بها، ولكنها بحاجة في الوقت نفسه عليها استخدام خطاب جامع مع سائر الشرائح السياسية والدينية في البلاد.

وبقدر ما كان لتصريح الشحات تداعيات سلبية في الأوساط المصرية من خارج التيارات الإسلامية، كان له ردود فعل في الأوساط الدينية أيضاً.

فقد دافع عن الطرح عميد كلية شؤون الدين بجامعة الأزهر الأسبق، محمد رأفت عثمان، الذي قال لـCNN بالعربية، إن القتلى بمباراة المصري والأهلي "ليسوا شهداء، لأنه لا تنطبق عليهم شروط الشهادة، التي حددها الدين بثلاثة أنواع، وإذا طبقنا اشتراطات الشهادة فلن تتطابق مع حالة جماهير الأهلي."

وأوضح عثمان ذلك قائلا: "أول أنواع الشهداء هو شهيد الدنيا والآخرة، وهو من مات على أرض المعركة دفاعا عن الوطن والدين، وهو شهيد لا يغسل ولا يكفّن ولا يصلى عليه."

وأضاف: "والنوع الثاني هو شهيد الدنيا، والله وحده من يعلم به لأنه شهيد النية، وهو من يقاتل من أجل الشرف."

وتابع عميد كلية شؤون الدين الأسبق قائلاً: "شهيد الآخرة وهو النوع الثالث من الشهداء، هو من مات مظلوما أو دفاعا عن نفسه وعرضه وماله، أو القتلى تحت العمارات المنهارة أو الغرقى، وهذا يؤكد أن من ماتوا في بورسعيد ليسوا شهداء."

وكان للشيخ خالد الجندي موقفا مغايرا نوعاً ما، عبر عنه لموقع CNN بالعربية قائلاً: "الشهيد لا يعلمه إلا الله، لأن النوايا هي الأساس في ذلك، والله وحده من يعلم النوايا."

وأضاف الجندي: "هناك اشتراطات للشهادة، ويمكن أن ينطبق أحد الشروط على جماهير الأهلي التي راحت ضحية الشغب في بورسعيد، وهو ما يتعلق بشهيد الدنيا، حيث ذهبت تلك الجماهير وراء فريقها من أجل مساندته، وغدر بها، وهي حالة يمكن أن تحتسب هذه الجماهير لدى ربها شهيدة، ولكن هذا غير مؤكد."

وفي الإطار عينه، رفض الشيخ أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، محمد رسلان، محاولة البعض "عدم إطلاق لقب شهيد على من توفوا في بورسعيد،" مؤكد أن هؤلاء "شهداء عند ربهم."

وقال الشيخ رسلان: "من مات ظلما وغدرا فهو شهيد، ولا يمكن أن نوصم جماهير الأهلي بالقتلى لأنهم شهداء."

وأضاف رسلان: "شهيد الدنيا تنطبق على جماهير الأهلي، ومن يقول غير ذلك فهو منافق، وأؤكد أن جماهير الأهلي شهداء نحتسبهم عند الله، ولا داع للمزايدة من أحد."

ويبدو أن الجدل حول وصف قتلى أحداث بورسعيد سيستمر بين آراء فقهية مختلفة ومتباينة، ويكتسب بذات الوقت حدة في الشارع وعلى وسائل الإعلام رغم تعلقه بأمور غيبية، ما قد يشير إلى طبيعة التوتر في البلاد التي تنتظر حل أحجيات كبرى تتعلق بمعرفة حقيقة الأحداث وشكل النظام المقبل في البلاد وطبيعة دستوره الجديد، أو حتى تحديد الجهات المسؤولة عن مقتل عشرة أشخاص وجرح أكثر من ثلاثة آلاف خلال احتجاجات قرب وزارة الداخلية تبعت أحداث بورسعيد.