CNN CNN

عنان يستقيل من مهمته بسوريا وينتقد المجتمع الدولي

الجمعة، 10 آب/اغسطس 2012، آخر تحديث 17:00 (GMT+0400)

دبي، الإمارات العربية المتحدة(CNN) -- قدم المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا، كوفي عنان، استقالته من منصبه الخميس، وذلك وفقاً لما أكده الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي قال إن المفاوضات جارية حالياً لمحاولة تحديد شخصية جديدة قادرة على تولي المهمة.

وقال كي مون، في بيان صادر عنه، إن يشعر بـ"الأسف الشديد" لقرار عنان، الذي أبلغه إليه وإلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، والذي طلب فيه عدم تجديد مهمته بعد انتهائها في 31 أغسطس/آب الجاري."

وأعرب كي مون عن "امتنانه" لـ"تصميم وشجاعة" عنان خلال الفترة التي تولى فيها مهمته، مقراً في الوقت عينه بـ"صعوبتها،" ولفت إلى أن المبعوث الدولي "عمل وفقاً للولاية الممنوحة له من الجمعية العمومية للأمم المتحدة"، وبتعاون مختلف الدول.

وتابع كي مون بالقول: "مشاوراتي مستمرة حالياً مع الأمين العام لجامعة الدول العربية من أجل التعجيل باختيار شخصية تخلف عنان، وتكون قادرة على مواصلة هذه الجهود البالغة الأهمية لصنع السلام."

وكرر موقفه الرافض لاستمرار نزيف الدم في سوريا، ورأى أنه "سيزيد من معاناة سوريا ويهدد المنطقة."

وأبدى كي مون أسفه لمواصلة الحكومة السورية وقوات المعارضة الاعتماد على خيار القوة لحسم النزاع، وإن كان قد أقر في الوقت عينه بأن الخلافات داخل مجلس الأمن باتت بحد ذاتها "عقبة أمام العمل الدبلوماسي،" في إشارة إلى الصراع بين الدول الغربية من جهة، وموسكو وبكين من جهة أخرى.

وأكد كي مون أن الأمم المتحدة ما زالت ملتزمة بالتوصل إلى حل للأزمة السورية يقوده السوريون بأنفسهم، بعيداً عن العنف، وبما يستجيب للتطلعات الديمقراطية المشروعة للشعب السوري، ولكنه اعتبر أن هذه الأهداف لا يمكن بلوغها قبل أن تلتزم الأطراف المتصارعة باللجوء إلى الحوار وتتوفر المواقف الموحدة من قبل المجتمع الدولي.

يشار إلى أن عنان كان قد تولى منصبه بعد فشل مبادرات عربية ودولية عديدة منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عام ونصف، وباشر مهامه في فبراير/شباط عام 2012، ليكون مبعوثاً دولياً يمثل الجامعة العربية والأمم المتحدة في آن.

وفي منتصف مارس/آذار، قدم عنان خطته الشهيرة التي حملت اسم "النقاط الست"، والتي تنصل على وقف القتال في سوريا من قبل جميع الأطراف وسحب القوات الحكومية للآليات الثقيلة من المدن وإطلاق سراح المعتقلين وصولاً إلى بدء عملية حوار سياسي مع ضمان حرية التعبير والتظاهر ونشر مراقبين دوليين لمتابعة الوضع الميداني.

وأعلن عنان أنه حصل على موافقة الأطراف السورية لتطبيق الخطة اعتباراً من العاشر من أبريل/نيسان الماضي، ولكن التطبيق الفعلي اقتصر على بضعة أيام من الهدوء النسبي، عاد بعدها القتال ليتصاعد منذ ذلك الحين، وسط تبادل للاتهامات حول هوية الجهة التي خرقت الاتفاقية.

وتصاعدت انتقادات المعارضة السورية لعنان، فاتهمته بالتساهل مع نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، من خلال تمديد المهل التي يقدمها له، في وقت كانت فيه قواته تهاجم معاقل المعارضة في حمص، كما رفضت مساعيه لإدخال إيران ضمن تجمع دولي يبحث حل الأزمة السورية.

واعتبر المراقبون أن مبادرة عنان "ماتت سريرياً" منذ مايو/ أيار، بعد انتشار أنباء عن مجازر واسعة في أرياف حمص وحماة وأدلب، بينما أثار النظام السوري البلبلة بطلبه الحصول على تعهدات خطية من عدة دول في المنطقة تعلن فيها "الامتناع عن دعم المعارضة" قبل الشروع بالتطبيق الكامل لخطة عنان.

وتلقت الخطة ضربة قاسية أخيرة في 19 يوليو/تموز الماضي، عندما استخدمت روسيا والصين حق النقض للمرة الثالثة في الملف السوري، وذلك ضد مشروع قرار كان يرمي إلى وضع مبادرة سلام تعتمد على مشروع مطور لخطة "النقاط الست" شرط اعتماده تحت الفصل السابع، الذي يجيز معاقبة الجهات المخالفة.

من جانبه، قال عنان في بيان تلاه بمؤتمر صحفي، إن البعض وصف مهمة الوساطة التي قبلها في سوريا بأنها "مهمة مستحيلة" ولكنه اعتبر أن أمامه "واجباً مقدساً عليه القيام به لمساعدة الشعب السوري على إنهاء أزمته الدامية،" ورأى أن تكلفة الدماء الباهظة وتأثير الوضع على السلم والأمن الدوليين يبرر إيجاد جهود سلمية لإنجاز اتفاق نقل للسلطة.

واعتبر عنان أن زيادة عسكرة الوضع في سوريا والانقسام في مجلس الأمن صعّبا من مهمته، مضيفاً أنه في الوقت الذي كان فيه الشعب السوري يحتاج من المجتمع الدولي تصرفات عاجلة، كانت الأطراف في مجلس الأمن تواصل تبادل الاتهامات في ما بينها.

وحذر عنان أنه سيكون من المستحيل بالنسبة له أو لأي شخص آخر "إرغام الحكومة السوري أولاً، وكذلك المعارضة، على القيام بما يلزم لبدء عملية سياسية،" إن لم يحصل ضغط دولي هادف وموحد، تشارك فيه أيضاً الدول الإقليمية في المنطقة.

وفي رده على أسئلة الصحفيين أكد عنان على ضرورة أن تعمل الدول صاحبة النفوذ على الأطراف المتنازعة من أجل إيجاد حل للوضع، واعتبر أن رحيله لا يعني بالضرورة انتهاء خطة النقاط الست أو "مجموعة الاتصال الدولية" التي نشأت بموجب اجتماع جنيف نهاية يونيو/حزيران الماضي.

ولدى سؤاله عن هوية الشخص الذي يمكن أن يخلفه في منصبه وعمّا إذا كان من الجنون قبول دور من هذا النوع بظل الظروف الراهنة قال عنان: "هناك الكثير من المجانين في العالم - مثلي أنا - قد يقبلون هذه المهمة، وأنا واثق من أن كي مون سيجد شخصاً مناسباً قد ينجح ربما في القيام بعمل أفضل مني."

ولدى سؤاله حول توقيت استقالته نفى عنان أن يكون قد أضمر القيام بذلك قبل وقت طويل، وألمح إلى أنه كان يشعر بالتفاؤل بعد تمرير قرارين حول سوريا بمجلس الأمن، ومن ثم موافقة كل دول المجلس على ما جاء في مؤتمر جنيف الذي قال إن الدول فيه "اتفقت على الحاجة لنقل السلطة، ما يعني تغيير الحكومة وأن الرئيس بشار الأسد سيكون مضطرا للمغادرة عاجلاً أم آجلا."

واعتبر عنان أن الأمور كلها عادت وانهارت في الجلسة اللاحقة لمجلس الأمن، واتضح أن وحدة الموقف الدولية "ما زالت مجرد وهم."

وقد أعربت الخارجية السورية عن "أسفها" لنبأ استقالة عنان وقالت إن دمشق "لطالما أعلنت وبرهنت عن التزامها التام والكامل بتنفيذ خطته ذات النقاط الست وتعاونت مع فريق المراقبين في تحقيق المهمة المرجوة لكن على الدوام كانت الدول التي تستهدف زعزعة استقرار سورية والتي وافقت وصوتت لصالح الخطة المذكورة في مجلس الأمن الدولي هي ذاتها الدول التي عرقلت ومازالت تحاول إفشال هذه المهمة."

وأضافت وزارة الخارجية أن سوريا "تبقى ملتزمة بمحاربة الإرهاب وفقا للقوانين السورية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بهدف استعادة الأمن والاستقرار في البلاد.. ومازالت تؤمن بأن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو الحوار الوطني الشامل والمصالحة الوطنية بين الأفرقاء السوريين دون أي تدخل أجنبي."

أما الخارجية البريطانية التي أشادت بجهود عنان فقد حملت النظام السوري مسؤولية تعثر خطة السلام لفشله في الالتزام بتعهداته ومواصلة القمع الوحشي للشعب مضيفة: "نتيجة لذلك فقد مات المزيد من السوريين ازداد العنف بشكل يومي، كما تراجع الوضع الإنساني. من الواضح أن الخطة غير فاعلة."

وأعربت لندن عن "تفهمها" لأسباب إحباط عنان، مشيرة إلى أن الانقسام في المجتمع الدولي لم يوفر للمبعوث العربي والدولي ما يحتاجه من دعم.