CNN CNN

عميل مزدوج وشقراء كرواتية وقصة مقتل العولقي

الثلاثاء، 16 تشرين الأول/أكتوبر 2012، آخر تحديث 15:33 (GMT+0400)

جورجيا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- قد تبدو هذه القصة إحدى حلقات مسلسلات الجاسوسية الأمريكية: عميل دنمركي مزدوج يتلقى 250 ألف دولار نقدا من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للمساعدة في القبض على أحد قادة لتنظيم القاعدة، من خلال إيجاد زوجة له.

القيادي المطلوب هو رجل الدين الأمريكي المولد أنور العولقي، الذي كان على وشك أن يصبح  الأكثر فعالية في الدعاية لتنظيم القاعدة، والعروس هي جميلة شقراء من كرواتيا، والعميل المزدوج هو مورتن ستورم، الذي خالط الأوساط الإسلامية المتطرفة، وحاز على ثقة العولقي عندما كان مقيما في اليمن في عام 2006.

ولكن دون علم رفاقه في السلاح، اتصل ستورم بالمخابرات الدنمركية في أواخر عام 2006 وعرض خدماته، وهؤلاء بدورهم أبلغوا وكالة الاستخبارات الأمريكية، وعندما فر العولقي إلى العاصمة اليمنية، صنعاء، للاختباء هناك، أصبح  ستورم نقطة اتصال للاستخبارات في محاولة لتحديد مكان العولقي وإخراجه.

بداية اللقاء بالعولقي

ووفقا لرواية ستورم، في سلسلة من المقابلات المطولة مع صحيفة يولاندس بوستن الدنمركية، حصل أحد لقاءاته العديدة مع العولقي في مخيم صحراوي في محافظة شبوة في سبتمبر/أيلول عام 2009.

وقال ستورم للصحيفة: "سألني إذا كنت أعرف امرأة غربية، يمكنه الزواج بها.. أعتقد أنه كان يفتقر لشخص يمكن أن يفهم عقليته الغربية."

وكان للعولقي، وفقا لستورم، زوجتين عربيتين، ولكن كانتا تعيشان في صنعاء، فأراد أن يتزوج من امرأة بيضاء مسلمة تكون له "رفيقة في المخبأ" في المناطق القبلية النائية.

ولم تعلق وكالة الاستخبارات الأمريكية أو الدنمركية علنا على رواية  ستورم، والقصة قد تبدو غير قابلة للتصديق لولا أدلة وفيرة أظهرها ستورم لصحيفة يولاندس بوستن، تتضمن تسجيلات فيديو تبادلها العولقي وعروسه، وإيصالات السفر وصورة لحقيبة محشوة بمبلغ 250 ألف دولار قال ستورم إنه تلقاها من الاستخبارات الأمريكية.

وقال ستورم إنه بعد شهرين من عودته من اليمن، عثر على مجموعة على موقع فيسبوك داعمة للعولقي، وعمد إلى كتابة تعليق على الصفحة، يطلب فيه المساعدة، وبعد عدة أيام ردت عليه امرأة كرواتية وسألته عن حاجته.

الحسناء الكرواتية

والمرأة هي أمينة، تبلغ من العمر 33 عاما، وهي جميلة لها شعر أشقر طويل وتعمل مع ذوي الاحتياجات الخاصة الصغار في زاغرب، وكانت اعتنقت الإسلام مؤخرا، وأصبحت من مناصري العولقي بعد سلسلة من المحادثات مع ستورم من خلال فيسبوك، وقالت إنها ستكون فخورة للزواج من العولقي، وفقا لستورم.

ومرة أخرى أرسل ستورم ردا إلى العولقي في اليمن، بتاريخ 11 ديسمبر/كانون أول عام 2009، بشأن المرأة، ورد عليه العولقي يطلب المزيد من المعلومات.

وفي رسالة بعد ثلاثة أيام، وفقا لستورم، بعث العولقي للمرأة برسالة هذا نصها: "دعيني أوضح بعض الأمور: أولا، أنا لا أعيش في مكان ثابت، وبالتالي تتنوع ظروف معيشتي، وأحيانا أعيش في خيمة. ثانيا، في بعض الأحيان أعيش بمعزل عن الآخرين، ما يعني أني وعائلتي لا يمكننا التعرف على الناس.. فإذا كنت تستطيعين العيش في هذه الظروف الصعبة، ولا مانع لديك من العزلة والقيود على الاتصالات الخاصة مع العالم الخارجي، فهذا سيكون أمرا رائعا."

وقد يكون من المتوقع أن يعيش العولقي في ظروف صعبة، فبعد بضعة أيام، أي في يوم عيد الميلاد عام 2009، حاول طالب نيجيري تم تجنيده من قبل العولقي في اليمن، تفجير طائرة ركاب فوق مدينة ديترويت مع عبوة ناسفة مخبأة في ملابسه الداخلية، ما أدى إلى جهود حثيثة لتعقب العولقي.

وفي مرحلة ما، أبلغ ستورم المخابرات الدنمركية بأنه كان على اتصال مع امرأة مستعدة للزواج العولقي، وقال إن الدنمركيين اتصلوا بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والتي وجدت في ذلك فرصة للعثور على رجل الدين المتشدد.

وكانت خطة وكالة الاستخبارات الأمريكية ونظيرتها الدنمركية هي زرع جهاز تتبع في حقيبة أمينة، وفقا لما أكده ستورم في حديثه لصحيفة يولاندس بوستن الدنمركية.

وأضاف ستورم: "كان القصد من ذلك أنها يمكن أن تقودنا إلى أنور.. المخابرات الدنمركية كانت على علم طوال الوقت، وتعلم العواقب إذا نجحت الخطة، وهي أن العولقي من المرجح أن يقتل، وكانت تعرف أن هناك خطر من أن أمينة ستقتل أيضا."

وفي 17 فبراير/شباط عام 2010، اتصل العولقي مباشرة مع ستورم مقترحا لقاء أمينة، وقال: "إذا قمتَ بزيارتها، فيمكنني تحميل تسجيل فيديو لنفسي عبر ملف مشفر، ويمكنك أن تريها إياه، حتى تكون على يقين بأن المتحدث هو أنا."

رسائل العولقي لأمينة

وفي رسالة للمتابعة بعد عدة أيام، قال العولقي لستورم بأن يبلغ أمينة بأن ظروف معيشته قد تحسنت، وأضاف: "أنا حاليا لا أعيش في خيمة، ولكن في بيت يعود لأحد الأصدقاء.. لا أغادر المنزل، وزوجتي ستكون معي في كل وقت.. أفضل هذا المنزل على خيمة في الجبال، لأنه يمنحني القدرة على القراءة والكتابة والبحث."

ويقول ستورم إنه بعد تلقي هذه الرسالة، التقى بالمخابرات الدنمركية والأمريكية في بلدة هيلسينغور بالدنمرك، مشيرا إلى أن عميلا أمريكيا مقيما في الدنمرك يدعى جيد، وآخر جاء من واشنطن يدعى أليكس، حضرا الاجتماع.

وقال ستورم لصحيفة يولاندس بوستن إنه سافر إلى فيينا في النمسا، يوم 8 مارس/آذار عام 2010، والتقى أمينة خارج محطة الحافلات الدولية في وسط المدينة، بينما كان عملاء الاستخبارات يراقبونه.

وقال ستورم إنه شعر بالشك بشأن حب أمينة وإخلاصها للعولقي، وسألها قائلا: "هل تعرفين العواقب؟ (للزواج من العولقي)، لكنها ردت بالقول: "نعم، أنا مستعدة."

وقال ستورم إنه بناء على طلب العولقي، فقد درب أمينة على كيفية إرسال البريد الإلكتروني المشفر عن طريق تحميل برنامج تشفير من مواقع جهادية.

وفي الاجتماع الثاني في فيينا، أعطى ستورم لأمينة تسجيل فيديو قصير أدلى به العولقي، الذي كان يرتدي الثوب الأبيض أمام خلفية باللون الوردي عليها بعض الأزهار.

طلب الزواج

وقال العولقي في التسجيل: "تم عمل هذا التسجيل خصيصا من أجل الأخت أمينة وبناء على طلبها... أدعو الله أن يهديك لما هو خير لك في الحياة الدنيا والآخرة.. ويرشدك لاختيار ما هو خير لك بشان هذا الاقتراح (الزواج)."

وقال ستورم إن أمينة أجهشت بالبكاء عندما سمعت تلك الكلمات، مشيرا إلى أنها سجلت بعد ذلك مقطعي فيديو للعولقي.

وفي أحد المقطعين، ارتدت الحجاب الكامل وكشفت وجهها فقط، وتحدثت بالانجليزية التي تشوبها لكنة، وقالت: "سأقبل كل ما هو مطلوب القيام به الآن بهذه الطريقة التي اخترتها.. وكان الله في عوننا."

وفي الفيديو الثاني، خلعت أمينة حجابها وقالت: "يا أخي.. هذه أنا دون غطاء الرأس.. كي ترى شعري.. أتمنى أن تكون سعيدا معي، إن شاء الله،" وفي الجلسة نفسها، سلم ستورم أمينة حقيبة تم تزويدها بجهاز التعقب.

وفي 18 مايو/أيار عام 2010، سافر ستورم إلى فيينا مرة الثالثة لشراء تذكرة الطائرة لأمينة إلى اليمن وسلمها ثلاثة آلاف دولار نقدا نيابة عن العولقي، وفقا لصحيفة "يولاندس بوستن،" التي قالت إن أمينة وصلت تحمل حقيبتها إلى صنعاء في بداية يونيو/حزيران من ذات العام.

وبعد ذلك بيومين، تلقى ستورم رسالة نصية من أحد عملاء المخابرات الدنمركية تقول: "تهانينا..  لقد أصبحت غنيا.. غنيا جدا."

وقال ستورم إنه في يوم 9 يونيو/حزيران عام 2010، سلمه عميل من الاستخبارات الأمريكية حقيبة في فندق كراون بلازا بالقرب من كوبنهاغن، وسأله ستورم "ما هو رمز الحقيبة؟" فأجاب العميل: "حاول 007". كان داخل 250 ألف دولار وفقا لستورم.

فشل الخطة التجسسية

لكن الخطة تلك لم تنجح، إذ أمضت أمينة عدة أسابيع في صنعاء، ثم وصلها مرسال لترتيب سفرها للقاء العولقي، ولأسباب أمنية، ومن بينها المخاوف بشأن أجهزة تعقب، قيل لها أن تترك حقيبتها.

وتزوجت أمينة من العولقي، بعد فترة وجيزة، وأرسل العولقي رسالة شكر لستورم على ترتيب الزواج، وكتب له إن أمينة "لم تكن فقط مثلما توقعتها، ولكنها كانت أفضل بكثير."

وفي العام الماضي عندما عاد ستورم إلى اليمن في ما قال إنه مهمة أخرى لصالح المخابرات الدنمركية، تبادل هو والعولقي عدة رسائل، إحداها حصلت عليها صحيفة "يولاندس بوستن،" وفيها يطلب العولقي من ستورم إرسال منتجات من صنعاء لزوجته الجديدة، بما في ذلك بلسم للشعر.

نهاية العولقي

وقد جرى تعقب العولقي في نهاية المطاف وقتل في غارة طائرة بدون طيار في نهاية شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وهي نهاية يصر ستورم على أنها كانت نتيجة لعمله في تعقب العولقي، باستخدام مرسال يحمل عصا الذاكرة USB شملت جهاز التعقب.

ولكن في محادثة مسجلة من قبل ستورم في فندق هيلسينغور أواخر العام الماضي، أصر أمريكي يدعى مايكل على أن مهمة منفصلة للمخابرات هي التي أدت إلى العثور على العولقي.

لكن ستورم لا يصدقه، ويقول: "أنا مقتنع بأن وكالة الاستخبارات المركزية أوقفت المرسال... ولكن الأمريكيين على ما يبدو لن يعترفوا بأن عميلا للمخابرات الدنمركية.. هذا البلد الصغير، قاد إلى الكشف عن أنور."

وبعد وفاة العولقي، استمرت أمينة بالتواصل مع ستورم من خلال رسائل مشفرة، غير مدركة بأنه كان يعمل مع الاستخبارات الغربية. وقبل بضعة أشهر، قالت إنها كانت تعمل على مجلة "إنسباير" على شبكة الإنترنت التي أطلقها العولقي لتنطق باسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

واقترحت أيضا بأنها ترغب في أن تشارك في هجوم، وفقا لصحيفة يولاندس بوستن، وقالت: "أود أن أنفذ عملية استشهادية.. ولكن الشيخ بصير (الوحيشي، أمير القاعدة في جزيرة العرب،) قال إن الأخوات حتى الآن لا يمكنهن تنفذ عمليات لأنهن سيعانين الكثير من المشاكل... لذلك لا يمكنني تنفيذ عملية... أريد أن أقتل بنفس الطريقة التي قتل بها زوجي.. إن شاء الله."

ولا يزال مكان أمينة غير معروف حتى اليوم.

يشار إلى أن شبكة CNN كانت على اتصال بستورم، الذي هو في مخبأ الآن بعد عدة تهديدات بالقتل من متشددين إسلاميين كانوا رفاقه.